النوم، التغذية والصحة النفسية: ما العلاقة بينهما؟

النوم، التغذية والصحة النفسية: ما العلاقة بينهما؟

Dyana Farhat by 1 Year Ago

يعد النوم أحد الجوانب الحيوية الرئيسية في حياة الإنسان، إذ يلعب دوراً أساسياً في تحديد جودة حياته اليومية وإيقاعها الطبيعي واستدامتها. فتأثير النوم على إيقاع حياتنا ليس مقتصراً على الجانب البدني فحسب، بل يمتد إلى جوانب نفسية واجتماعية وغذائية متعددة ويعزز الصحة المستدامة. لذلك فإن تدهور جودة النوم تؤثر على النشاط البدني خلال اليوم، الصحة العقلية، والقدرة على أداء المهام الاعتيادية بالشكل، سواءً للأطفال أو المراهقين أو حتى للبالغين.

ويلعب النوم دوراً حاسماً في تعزيز الصحة المستدامةـ إذ يُعتبر النوم الجيد جزءاً أساسياً من نمط حياة صحي، إذ يسهم في تجديد الطاقة، تعزيز الوظائف العقلية والجسدية. ويعتبر النوم العميق والمنتظم جزءاً أساسياً من عملية تجديد وترميم الخلايا وتعزيز جهاز المناعة.

وحول أهمية النوم، وطريقة تحديد جودته والاضطرابات المصاحبة لتدهور جودة النوم، وعلاقته بالصحة عموماً وغير ذلك من المعلومات، تحدثنا إلى الدكتور عماد سلمان استشاري طب الأسرة ولميس الدربي أخصائية التغذية السريرية ودانة المرعبي أخصائية علم النفس السريري في مستشفى هيلث بوينت، والذين قدموا لنا معلومات كافية ووافية حول النوم الصحي والآثار المترتبة على تدهور جودة النوم.

أكد الدكتور سلمان أنه بالعموم، نحتاج جميعاً للحصول على قسطٍ كافٍ من النوم للقيام بنشاطنا اليومي بالكفاءة المطلوبة، إذ أن العجز عن ذلك يؤثر على جميع الفئات العمرية. فقد وجدت الدراسات أن الناس الذين لا ينامون لوقتٍ كافٍ يتراجع نشاطهم البدني وتتأثر صحتهم النفسية، في حين يؤثر ذلك على الأطفال أيضاً، إذ نلاحظ انخفاض تحصيلهم الدراسي ومعاناتهم في أداء واجباتهم اليومية.

ساعات النوم الصحيّة

أوضح الدكتور سلمان أن حاجة الإنسان من النوم تختلف بين مرحلة عمرية وأخرى، إذ يُلاحظ أن الحاجة للنوم تنخفض بتقدم العمر، حيث مع ولادة الطفل نراه ينام لساعات طويلة من 12 إلى 16 ساعة، لاسيما وأنه يكون في مرحلة نمو أساسية، في حين يبدأ احتياجه للنوم في التراجع مع نموه. فالأطفال من عام واحد إلى 3 أعوام يحتاجون لما يتراوح بين 11 إلى 14 ساعة، في حين بين 6 إلى 12 أعوام من 9 إلى 12 ساعة، والمراهقين من 8 إلى 10 ساعات. وبالنسبة للبالغين، فإن النوم الصحي يعني حصولهم على ساعات تتراوح بين 6 إلى 9 ساعات، علماً أن هذه المدة تختلف بين شخص بالغ وآخر، حيث قد تكفي الساعات الست بعض الأشخاص، في حين يشعر بعضهم الآخر بالحاجة للحصول على 9 ساعات من النوم.

وتجدر الإشارة إلى أن ساعات النوم ليست العنصر الأساسي الوحيد في تحديد مستوى جودة النوم، إذ أشار الدكتور سلمان إلى أهمية اختيار أوقات النوم بعناية نظراً لأن النوم ليلاً هو الخيار الصحيح لتعزيز جودة النوم، لذلك يتعين على أولياء الأمور تعويد أطفالهم على الخلود لسريرهم في وقت مبكر، لاسيما وأن هرمون النمو يرتفع ليلاً، وبالتالي تمنحهم هذه العادة أكبر استفادة ممكنة من هذا الهرمون الضروري لتطورهم البدني والعقلي، في حين يزودهم بالطاقة اللازمة لتحقيق أفضل تحصيل دراسي ممكن خلال يومهم الدراسي عندما يكونون في سن المدرسة.

 

النوم والصحة النفسية والبدنية

وفقاً للدكتور سلمان، فإن عدم حصول الأطفال على قسطٍ كافٍ من النوم يجعلهم يشعرون بالتعب والإرهاق خلال يومهم، في حين يعجزون عن أداء واجباتهم نظراً لغياب الطاقة اللازمة للقيام بذلك. كما أن تراجع جودة نوم الأطفال يقودهم للشعور بالتوتر والعصبية.

وأظهرت الدراسات أن الإنسان الذي ينام في أوقات غير صحيحة أو لا يأخذ قسطاً كافياً من الراحة والنوم يصاب بأمراض نفسية مثل القلق، ويكون تفاعله مع الناس بشكل عصبي، حتى في العمل. كما يؤثر السهر وعدم انتظام إيقاع النوم على التركيز والذاكرة نتيجة لما يلقيه ذلك بضغوطات على الدماغ، بينما قد يسبب أيضاً القلق والاكتئاب.

ونصح الدكتور سلمان بالاعتياد على أوقات صحية للخلود إلى السرير، حتى أثناء عطل نهاية الأسبوع، ليعتاد الجسم على النمط الصحيح، وبالتالي تحقيق أكبر استفادة مرجوّة من النوم، ولابد لتحقيق ذلك من تجنب المشروبات الغنية بالكافيين قبل النوم بنحو 6 ساعات، الابتعاد عن ممارسة الرياضة بفترة 4 ساعات بالحد الأدنى من وقت النوم، والتوقف عن تناول الطعام قبل ذلك بنحو 4 إلى 6 ساعات. وقد يساعد النشاط البدني خلال اليوم أو صباحاً في تعزيز جودة النوم ليلاً، في حين يقود استخدام الهواتف المتحركة والأجهزة اللوحية قبل النوم إلى تدهور جودته. ومن العادات الصحية الموصى بها لنوم مريح هي مطالعة الكتب الورقية.

وأوضح الدكتور سلمان أنه هنالك العديد من المشاكل الصحية التي تؤثر سلباً على جودة النوم، أبرزها انقطاع التنفس أثناء النوم، إلى جانب الاكتئاب والقلق والتوتر، وتدهور الصحة عموماً. لذلك يتعين عند وجود مشكلة من هذا النوع تشخيصها وعلاجها بالشكل المناسب لاستعادة القدرة على النوم بشكل جيد.

وأوصى الدكتور سلمان بضرورة الحصول على نوم جيد وفي أوقات صحيّة للتمتع بحياة يومية متوازنة، والتمكّن من أداء المهام على أكمل وجه. ونصح أولياء الأمور بأن يكونوا قدوة لأطفالهم، وتجنب استخدام الهواتف والأجهزة اللوحية في السرير، وتشجيعهم على الخلود للسرير مبكراً ليكونوا مستعدين بأفضل شكل ممكن ليومهم المقبل.

السهر والغذاء

وحول تأثير السهر على العادات الغذائية، أكدت لميس الدربي أن السهر يؤدي لزيادة هرمون الجريلين، وهو هرمون يُفرز من المعدة ويؤدي إلى زيادة الشهية. كما يؤدي السهر إلى انخفاض مستويات هرمون اللبتين، وهو هرمون يُفرز من الخلايا الدهنية ويؤدي إلى الشعور بالشبع. ويؤدي هذا الاختلال في مستويات الهرمونات إلى تناول الطعام في أوقات غير منتظمة أو تناول وجبات كبيرة في وقت واحد. كما يؤدي السهر أيضاً إلى انخفاض مستوى الانتباه والتركيز، مما يجعل الشخص أكثر عرضة لاتخاذ خيارات غذائية غير صحية. فيلجأ الفرد الى تناول الأطعمة غير الصحية، مثل الأطعمة الغنية بالسكر، الدهون والسعرات الحرارية. 

وأشارت لميس إلى أن الدراسات أثبتت أن تناول الوجبات في وقت متأخر من الليل مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسمنة وذلك نتيجة انخفاض معدل الأيض في الليل. كما يؤدي تناول الطعام في وقت متأخر من الليل إلى صعوبة النوم. ويرجع ذلك إلى أن عملية الهضم تتطلب الطاقة، مما قد يؤدي إلى صعوبة في النوم وقد يسبب أيضاً حرقة المعدة أو الارتجاع المريئي أو عسر الهضم.

وأوضحت لميس ما أظهرته الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الساعة البيولوجية هم أكثر عرضة للإصابة بالسمنة. ويرجع ذلك إلى أن اضطرابات الساعة البيولوجية التي تؤدي إلى زيادة الشهية وتناول الأطعمة غير الصحية نتيجة الخلل في هرمون الجريلين وهرمون اللبتين. وقد أظهرت الدراسات ايضاً أن اضطراب الساعة البيولوجية يمكن أن يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وذلك لأنها تؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم.

السهر والصحة النفسية: علاقة وثيقة

وبالنسبة لأثر السهر على الصحة النفسية، أشارت دانة إلى أن النوم المتأخر قد يزيد من خطر الإصابة باضطرابات الصحة النفسية مثل القلق، الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب. كما أن قلة النوم يمكن أن تؤدي إلى "ضبابية الدماغ"، وما يرافق ذلك من شعور بالتشويش وصعوبة في التركيز، إذ يؤثر ذلك على وظائف المخ والذاكرة والتنظيم العاطفي، في حين تسبب قلة النوم صعوبة في التعامل مع الإزعاجات البسيطة مثل التوتر، وبالتالي تتحول التحديات اليومية البسيطة إلى مشاكل أكبر. كما أن قلة النوم تزيد من خطر الإصابة بالهلوسات والأوهام.

وأضافت دانة: يمكن أن يكون الأرق ومشاكل النوم الأخرى من أعراض الاكتئاب، ولكن في الآونة الأخيرة، أشارت الأبحاث إلى أن قلة النوم تسبب الاكتئاب بالفعل. فقد وجد تحليل لـ 21 دراسة مختلفة أن الأشخاص الذين يعانون من الأرق لديهم خطر مضاعف للإصابة بالاكتئاب مقارنة بأولئك الذين لا يعانون من مشاكل في النوم. وإلى جانب التغيرات المزاجية، قد تأتي سلوكيات غير عادية. ويمكن أن تؤدي قلة النوم أيضاً إلى زيادة الاندفاع وفرط النشاط والنوبات العاطفية. ومن الممكن أن نلاحظ عند قلة النوم وانخفاض النشاط البدني مواجهة صعوبة في التفاعل مع الآخرين.

وقدمت دانة نصائح لتعديل أنماط النوم والاعتياد على النوم والاستيقاظ مبكراً، وتضم:

الحد من القيلولة: يمكن أن يؤثر النوم الزائد أثناء النهار على قدرتك على النوم أو البقاء نائماً أثناء الليل.
إنشاء روتين ليلي: الالتزام بمجموعة من العادات التي تساعد على الاستعداد للراحة كل ليلة. وأخذ حمام، أو قراءة كتاب أو ممارسة التأمل لبضع دقائق لتهدئة الجسم. وتكرار هذه الإجراءات كل ليلة للمساعدة في ضبط الحالة المزاجية للحصول على نوم هادئ ليلاً.
تجنب الكافيين أو المنشطات في وقت قريب جداً من وقت النوم. إذ أن تناول القهوة أو الصودا أو غيرها من المنتجات التي تحتوي على الكافيين في وقت متأخر بعد الظهر أو في المساء يمكن أن يجعل من النوم أمراً أكثر صعوبة.
إيقاف تشغيل الأجهزة الإلكترونية: إن مشاهدة التلفاز أو اللعب على الهاتف وقت النوم يمكن أن يزيد من صعوبة الاسترخاء والنوم.
العلاج السلوكي المعرفي للأرق: CBT-I يشبه العلاج السلوكي المعرفي CBT إلا أنه يركز على تخفيف الأرق. وسيساعد المعالج في التعامل مع الأفكار والمشاعر التي قد تمنع من النوم أو تسبب تقطعه. ويعلّم هذا العلاج تقنيات الاسترخاء.

إضافة التعليقات

.