مارينباد... حيث مفاتيح العافية تنساب في أحواض الإستشفاء!
هنا، حيث تُنسج الحكايات على نغمات الطبيعة الخلابة، ويتردد صدى العشق بين أروقة التاريخ، تتجلى مارينباد Marienbad المعروفة محلياً بإسم "ماريانسكي لازني" Mariánské Lázně كلوحة رومانسية تأبى أن يخفت بريقها مع الزمن. وهذه البلدة الهادئة المختبئة بين أحضان غابات بوهيميا التشيكية، لم تكن يوماً مجرد وجهة إستشفائية فقط، بل كانت أيضاً مسرحاً مفتوحاً لقصص الحب العظيمة. ففي أزقتها خفق قلب الأديب الألماني "غوته" بعمر الثانية والسبعين عندما إلتقى البارونة الألمانية "أولريكا فون ليفيتزوف" إبنة السابعة عشر ربيعاً، والتي أسرته بجمالها وبراءتها. فكان الحب من النظرة الأولى. لكن القدر لم يكن كريماً معه، فظلَّ حبه معلقاً بين الأمل والإنكسار، حتى خطّ مرارة عشقه في قصيدته الشهيرة "مرثية مارينباد" عام 1823، إحدى أعظم ما كتب. واليوم، وبعد أكثر من قرنين من الزمان على تلك القصة، لا تزال مارينباد تحتفظ بسحرها الأخاذ، حيث تروي شوارعها المرصوفة بالحجر، مبانيها العتيقة، وحدائقها الوارفة فصولاً من كتب الحب، مكللةً بدفء الذكريات، همسات العشاق، وعذوبة الألحان التي تتراقص على إيقاع ينابيعها المتدفقة منذ الأزل.
عظماء في مارينباد!
حين تسأل سكان مارينباد عن أبرز الشخصيات التي زارت بلدتهم، ستنهال عليك أسماء لا تُحصى لشخصيات تاريخية مرموقة وقعت في غرام هذه الجنة الخضراء وإتخذتها ملاذاً هادئاً لعطلاتهم، من بين هؤلاء الملك البريطاني إدوارد السابع إبن الملكة فكتوريا الذي إعتاد زيارة مارينباد كل صيف. ولم يخف إعجابه بها إذ قال: "لقد زرت الهند، وسيريلانكا، وجميع بلدات الينابيع المعدنية في أوروبا. ولكن لا شيء يضاهي جمال طبيعة مارينباد الساحرة". وتحولت البلدة خلال زيارات الملك البريطاني اليها بين عامي 1897-1909 إلى نقطة جذب لعظماء أوروبا الذي كان يلتقي بهم، منهم الإمبراطور النمساوي فرانتس جوزيف الأول، ورئيس الوزراء الفرنسي كليمونصو. ويُعرف أن الملك البريطاني كان يكن لمارينباد مكانة خاصة في قلبه، فهي بلدة صغيرة شعبها كريم ومضياف، أجواؤها مميزة، مأكولاتها شهية، مياهها معدنية ولها أثرها العلاجي الساحر. فالمياه هنا ليست مجرد ينابيع، بل مفاتيح للصحة والعافية، تنساب في أحواض الإستشفاء لتبعث الحياة من جديد في المفاصل المتعبة، وتهدىء الآلام التي أثقلتها الأيام. كما شهدت مارينباد عام 1836 زيارة لا تُنسى للمؤلف الموسيقي البولندي الشهير "فريديرك شوبان"، الذي جاء وهو في الخامسة والعشرين من عمره، آملاً في نيل موافقة والد حبيبته "ماريا فودزينسكا"، الرسامة وعازفة البيانو البولندية ذات الستة عشر عاماً، على زواجهما. ورغم أن حالته الصحية المتدهورة حالت دون إتمام الزواج، إلا أن مارينباد فتحت له قلبها وخلدت ذكراه بتأسيس متحف يحمل إسمه، فضلاً إلى مهرجان "شوبان" للموسيقى الذي يقام في شهر آب (أغسطس) من كل عام، إلى جانب إطلاق إسمه على أحد شوارعها وعلى مدرسة للموسيقى.
إنعموا بالصحة والعافية!
في رحاب الطبيعة البوهيمية الحالمة، حيث تنساب الينابيع كألحان أزلية، يقف فندق "نوفيه لازنيه" Hotel Nové Lázně شامخاً كقصر من قصص الخيال. بني عام 1896 وسرعان ما أصبح ملاذاً ملكياً، إذ اختاره الملك البريطاني إدوارد السابع مقراً لإقامته الصيفية، مفتوناً بعظمته المعمارية وموقعه الفريد وسط لوحة طبيعية تأسر القلوب. كما أقام فيه العديد من الفلاسفة، المؤلفين الموسيقيين، وأفراد العائلات الملكية. يُعد اليوم فندقاً تاريخياً من فئة الخمس نجوم، يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم بفضل خدماته الفاخرة، وجودة علاجاته الطبية الإحترافية. يتداوى المرضى في منتجع الفندق الصحي من ألم المفاصل، الروماتيزم وهشاشة العظام، فالعلاجات متوفرة فيه من خلال التمارين الرياضية، أو بإستخدام المياه الحرارية أو الطين لتسكين الألم وزيادة الحركة. كذلك هو مقصد المرضى الذين يعانون من ألامراض الجلدية كالأكزيما، الصدفية، وحب الشباب، فالعلاجات بمغاطس الطين التي تحتوي على مياه مالحة، مع مراهم وعلاجات بالضوء، تخفف من تلك الأمراض الجلدية وتأتي بالنتائج الجيدة. كما يقدم الفندق العلاجات لمن لديهم مشاكل في جهاز المناعة، الجهاز العصبي، في التنفس، الإضطرابات الهضمية، المسالك البولية، الأمراض النسائية، والأورام السرطانية. ويعمل الفريق المتابع لمرضى السرطان على توفير أجواء ملائمة لمدهم بالنقاء الجسدي والفكري، الذي بدوره يعزز جهاز المناعة ويساعد على التعافي السريع من المرض. في أروقة الفندق، يقف الحمام الروماني القديم كقطعة هندسية من زمن غابر، شاهدة على لحظات استرخاء عاشها الملوك والعظماء. هناك، إلى جانب غرفة الملك إدوارد السابع وأخرى تحمل اسم الإمبراطور فرانتس جوزيف الأول، تتجسد روح الماضي في الحاضر، ليعيش الزائر تجربة ملكية بكل تفاصيلها.
نبع "ماريا"!
من ربوع فندق "سنترالنيه لازنيه" Centrální Lázně Hotel لمع نجم مارينباد كبلدة لينابيع المياه المعدنية العلاجية. وهذا الفندق هو الأقدم في البلدة، لأنه مشيد في أول موقع للإستحمام الذي يعود إلى عام 1812. يشتهر الفندق بأنه مصدر نبع "ماريا" ولذلك يضم جناحاً جديداً أطلق عليه إسم "ماريا سبا" ومنه تنبعث غازات ثاني أكسيد الكربون المعروفة بـ"غازات ماريا" التي يتم ضخها بواسطة أنبوب لإحدى الغرف المخصصة للعلاجات الصحية، كتلك التي تعنى بتحسين الدورة الدموية، وتساهم في تنشيط الكلى، كما لها الفضل في محاربة الإلتهابات وتخفيف الألم. وسلسلة أماكن الأقامة الفخمة في هذه الجنة الخضراء تكاد لا تنتهي منها فندق "هفيزدا هيلث سبا" Hvězda Health Spa Hotel الشهير بإحتوائه على أكبر مسابح البلدة. وعلى بساط من العشب الأخضر يتمادى فندق "باسيفيك هيلث سبا" Pacifik Health Spa Hotel الذي يحظى منتجعه الصحي بشهرة واسعة لتقديمه علاجات لإعادة التأهيل بعد العمليات الجراحية، كما يقدم علاجات فعالة ضد أمراض العضلات وهشاشة العظام بإستخدام المياه المعدنية من الينابيع المحلية كمورد علاجي طبيعي ممزوج بالخبرة الطبية الطويلة الأمد. وإذا كنتم من محبي الإقامة في الفنادق الحديثة فسيكون بإنتظاركم فندق "باتيرفلاي" Butterfly الذي يستقطب العائلات والفئة الشابة. وغالباً ما يتوجه أكثرية ضيوفه إلى منتجعه الصحي الذي يغذيه نبع "فرديناند" للمياه المعدنية الغنية بالكبريت والتي لها منافع طبية عديدة.
مؤسس البلدة!
لا تكتمل زيارة مارينباد دون المرور بصرحها الأيقوني، مبنى "كولونيد" Colonnade الذي يُجسد أبهى صور للهندسة الباروكية. بسقفه المزخرف، وأقواسه التي تنساب كالأمواج، يشعرك المبنى بأنك تتجول في ردهات قصر ملكي، حيث تتجلى عظمة التصميم الأوروبي في أدق تفاصيله. في وسط البلدة وعلى مقربة من "النافورة الغناء" التي تتمايل على إيقاع خرير الماء المتصاعد، يقف شامخاً تمثال برونزي للكاهن "كاريل كاسبار رايتنبرغر" الذي عاش بين عامي 1779- 1860، نقشت باللاتينية على قاعدته المصنوعة من الرخام السويدي الأحمر العبارة التالية: "هذا هو الرجل الذي اكتشف المنافع العلاجية للمياه المعدنية وشجع على الاستفادة منها. ولذلك يستحق أن يمنح لقب مؤسس البلدة". وبالواقع، فتلك المياه هي مصدر ثروة مارينباد وهي التي منحتها شهرتها العالمية. وتختزن أرضها عشرات الينابيع للمياه المعدنية، كينبوع "كروس سبرينغ" Cross Spring الذي سيؤثر ناظريكم بهندسته التي تشمل على 72 عاموداً من الطراز الأيوني، ويحتوي على مستوى عالٍ من الكبريت مما يجعله مفيداً لعلاج مشاكل الجهاز الهضمي مثل اضطرابات المعدة، الأمعاء، الكبد، البنكرياس، والمرارة. كما يساعد في تحسين الاضطرابات الأيضية مثل السمنة، النقرس، والسكري. بجواره تتفجر مياه نبع "كارولينا" Karolina Spring المظلل بقبة بهية الشكل تحرسها ثمانية أعمدة كورنثية الطراز، وهو شهير بمياهه المعدنية الغازية التي تحتوي على الماغنيسيوم. أما نبع "رودولف" Rudolph Spring فلمياهه المقدرة على معالجة أمراض المسالك البولية. ومن المعروف أن لكل نبع في مارينباد خصائصه الفريدة لمعالجة حالات مرضية معينة أو بعض المشاكل الصحية. ومن الأفضل الاستفسار من قبل الطبيب أو الأخصائي عن فوائد كل منهم والجرعات اللازمة قبل الغوص في تجربة التداوي بماء الينابيع في هذه البلدة الملقبة ب"لؤلؤة المنتجعات الصحية في أوروبا".
تعرفوا على مارينباد!
• تقع مارينباد في غرب جمهورية التشيك، على بعد 170 كم من العاصمة براغ. يمكن الوصول إليها بالسيارة خلال ساعتين ونصف.
• اللغة الرسمية هي التشيكية، ويتكلم معظم العاملين في قطاع السياحة والخدمات الإنكليزية بطلاقة.
• العملة المستخدمة هي الكرونة التشيكية، حيث يعادل كل دولار أميركي حوالي 24 كرونة تشيكية.
• يتفجر من مارينباد 40 ينبوعاً للمياه المعدنية الباردة ذات فوائد علاجية متنوعة، بينما تضم المنطقة المحيطة أكثر من 100 ينبوع.
• تتميز هذه الينابيع بتركيبات كيميائية مختلفة، حيث تحتوي على الكالسيوم، المغنيسيوم، الحديد، ثاني أكسيد الكربون، والأملاح المعدنية، مما يجعلها فعالة في علاج العديد من الحالات الصحية من خلال العلاج بالشرب، الحمامات المعدنية، والعلاجات الاستنشاقية تحت إشراف فريق طبي متخصص.
• تقدم فنادق "إنسانا" في مارينباد مجموعة من العلاجات الطبيعية الفريدة بإستخدام الموارد المعدنية المحلية. لمزيد من المعلومات حول العلاجات المتاحة، يمكنكم زيارة: ensanahotels.com
* هذا التقرير من إعداد جان بيار حبيب