مسجد محمد علي بالقاهرة تحفة معمارية خالدة
لا يمكن إلا أن نمرّ على القاهرة في رحلتنا حول أجمل مساجد العالم، فالقاهرة تتميّز بوجود آلاف المساجد حتى إنه لا يخلو شارع فيها من جامع أو حتى مصلى صغير، هذا الأمر الذي تورث عبر الأجيال منذ الفتح الإسلامي إلى يومنا هذا.
يظل مسجد محمد علي واحدًا من أجمل مساجد مصر المحروسة، وشاهدًا على تاريخها المجيد الذي تسعى لاسترجاعه مجددًا. بناه محمد علي باشا داخل قلعة صلاح الدين ما بين الفترة من 1830 إلى 1848وقد بُني على الطراز العثماني، على غرار مسجد آياصوفيا بإسطنبول.
تذكر المراجع والمصادر المختلفة أنه لما أنهى محمد علي باشا إصلاح قلعة صلاح الدين الأيوبي وإنشاء المدارس والقصور والمدارس، قرّر أن يبني جامعًا تقام فيه الصلوات ويكون فيه مدفن يُدفن فيه.
بدأ العمل بإنشاء الجامع عام 1830 وتواصل العمل بلا انقطاع حتى وفاة محمد علي باشا عام 1845، حيث دفن في المقبرة التي كان قد أعدّها لنفسه.
في عهد الخديوي عباس باشا الأول تمّت أعمال النقش بالبوابات وأعمال الرخام، وأمر بتعيين القراء ورصد الخيرات على الجامع.
في عهد سعيد باشا أقيمت احتفالات رسمية لمدة خمس ليال من كل عام وهي:
ليلة الإسراء والمعراج، ليلة النصف من شعبان، ثم ثلاث ليال من شهر رمضان هي ليلة 13 ذكرى وفاة محمد علي باشا، وليلة 14 رمضان حين دُفنه، وأخيرًا ليلة القدر.
في عهد الخديوي إسماعيل صُنعت أبواب نحاسية جديدة للجامع وأحاطه بالأسوار وأنشأ له دورة مياه.
في عصر الملك فؤاد قامت لجنة حفظ الآثار المصرية العربية بإزالة القبة الكبيرة وما حولها من قباب صغيرة ليعاد بناؤها مرة أخرى مع مراعاة الأبعاد المعمارية الأصلية من حيث التصميم والزخارف.
المسجد في مجموعه مستطيل البناء وينقسم إلى قسمين: القسم الشرقي وهو المعدّ للصلاة، والغربي وهو الصحن، تتوسّطه فسقية الوضوء، وفي كل من القسمين بابان متقابلان أحدهما قبلي والآخر بحري، فالقسم الشرقي مربع الشكل طول ضلعه من الداخل 41 مترًا، تتوسّطه قبّة مرتفعة قطرها 21 مترًا وارتفاعها 52 مترًا عن مستوى أرضية المسجد، محمولة على أربع أكتاف مربّعة يحوطها أربعة أنصاف قباب ثم نصف قبّة خامس يغطي بروز المحراب وذلك خلاف أربع قباب أخرى صغيرة بأركان المسجد.
وقد كسيت جدران المسجد من الداخل والخارج بالرخام وكذلك الأكتاف الأربع الداخلية الحاملة للقبة. وقد كسيت جميع جدران المسجد أعلى الكسوة الرخامية من الداخل ببياض حُلي بنقوش ملوّنة مذهّبة. أما القبّة الكبيرة وأنصاف القباب فقد حُلّيت بزخارف بارزة ملوّنة مذهّبة.
والقسم الثاني وهو الصحن تتوسّطه فسقية الوضوء، وبمؤخرة برج الساعة التي أهداها إلى محمد علي لويس فيليب ملك فرنسا سنة 1845م. وللمسجد منارتان رشيقتان بارتفاع 84 مترًا عن مستوى أرضية الصحن.
والمنبر الأصلي للمسجد هو المنبر الكبير المصنوع من الخشب المحلى بزخارف مذهبة، أما المنبر المرمري الصغير الواقع إلى يسار المحراب، فقد أمر ببنائه الملك فاروق في سنة 1358 هجرية = 1939م. ويضاء المسجد بالثريات البلورية الجميلة تحيط بها مشكاوات زجاجية نسّقت بأشكال بديعة. وتقوم على طرفي الجنب الغربي للمسجد منارتان رشيقتان أسطوانيتا الشكل بُنيتا أيضًا على طراز المآذن التركية، وارتفاع كل منهما 82 مترًا من الأرض. وللمسجد ثلاثة أبواب أحدها في منتصف الجنب البحري، والثاني في مقابله في منتصف الجنب القبلي، والثالث في منتصف الجنب الغربي، ويؤدي إلى صحن متسع مساحته 53 في 53 مترًا يغلف جدرانه كسوة من المرمر، ويحيط به أربعة أروقة عقودها وأعمدتها من المرمر أيضًا، وبوسطه مكان الوضوء وهو عبارة عن قبة محمولة على ثمانية أعمدة لها رفرف محلى بزخارف بارزة مذهبة، كما أن باطن القبة محلى بنقوش ملونة ومذهبة تمثل مناظر طبيعية، والقبّة مكسوّة كقباب المسجد بألواح من الرصاص وبأسفلها صهريج المياه وهو مثمن تغطيه قبّة صنعت جميعها من المرمر المدقوق بزخارف بارزة. ويقوم أعلى منتصف الرواق الغربي للصحن برج من النحاس المزخرف بداخله ساعة دقاقة أهداها ملك فرنسا لويس فليب إلى محمد علي باشا سنة 1845م.