اقتحام الطفل لحميمية الأهل أمر شائع جدًا ولا سيما أن كثيرًا من الأهل لا يأخذون الاحتياطات اللازمة لتفادي مثل هذه الحوادث. فكيف يتصرّف الأهل عادة إذا شاهدهم ولدهم أثناء العلاقة الحميمة؟ هل من المستحسن تجاهل الموضوع أم التحدث إلى الولد إذا كان عمره يسمح بذلك؟ وما هي حدود العلاقة الحميمة أمام الأولاد؟ المعالجة النفسية جسي جعجع تجيب عن هذه الأسئلة.
بداية تقول الاختصاصية جعجع إن "جميع الأهل معرّضون يومًا ما لأن يفاجأوا بدخول ولدهم إلى غرفتهم خلال الاتصال الحميم، وليس من السهل معرفة كيفية التصرّف على الفور".
وتضيف أنه خلال السنة الثالثة، يصل الولد إلى مرحلة، يكتشف فيها جسده ويبدأ عنده الفضول الجنسي ويبدأ بالتمييز بين الجنسين. كما تتكوّن لديه تخيّلات جنسية تتعلق بالمشهد البدائي الذي يرمز إلى الجماع بين الوالدين. هذا المشهد يمكن أن يتخيّله الولد أو يعيشه في الواقع.
وفي هذه المرحلة، يرغب في اكتشاف ما يحصل في غرفة والديه ويصبح أكثر تيقظًا وتنبهًا إلى الروابط القائمة بينهما.
إنها مرحلة تدوم نسبيًا حتى السنة السابعة، وخلالها هناك احتمال كبير أن يرى الأهل ولدهم عند باب الغرفة يحاول استراق النظر.
وتشير جعجع إلى أنه عندما يشاهد الولد والديه في وضعية حميمة، ومن دون أن يفهم ما يجري يعود إلى سريره، معتقدًا غالبًا أنّ والده يسبب الألم والأذى لوالدته، وهذا قد يؤثر سلبًا على الولد إذا لم يتم التحدث معه بالموضوع، إذ قد يسبّب له على المدى البعيد انعدام الثقة والخوف، خصوصًا من الجنس الذكري، إذ إنه قد تنطبع في ذهنه صورة خاطئة وقبيحة عن والده.
وبما أن التقليد هو وسيلة التعلم الأولى عند الولد، قد يحاول فهم ما رأى عبر تكراره لاحقًا مع أصدقائه.
كيف يجب أن نتصرّف؟
"عد فورًا إلى غرفتك"، هذه تكون في أغلب الوقت رد الفعل عندما يفاجئ الولد والديه في غرفة النوم أثناء العلاقة الحميمة. لا داعي إلى الذعر، والأمر ليس مأساويًا إلى هذا الحد.
يجب معرفة كيفية التصرّف وما هي ردة الفعل المناسبة. من الضروري عدم تعريض ولدنا للهلع والخوف بالصراخ عليه أو بتوبيخه ومقاصصته إذ إنه لا يفهم ما رأه.
1- يجب المحافظة على الهدوء والطلب منه مغادرة الغرفة قائلين له إننا سوف نعود إليك حالًا لمناقشة الموضوع.
2- يجب مناقشة أو توضيح ما حصل لكن ضمن حدود: لا يحتاج الولد إلى الكثير من التفسير لإرضاء حشريته. على الأهل أن يعطوا جوابًا واضحًا عن السؤال المطروح، وليس بالضرورة أن نوضح كثيرًا في الوقت الحالي لأنه لو كان هو يريد معرفة أكثر من ذلك عن موضوع العلاقة الحميمة، لطرح بنفسه أسئلة أكثر.
على الولد أن لا يشعر بأن موضوع الجنس من المحرّمات لأن ذلك قد يعطيه صورة سيئة عن الحميمية وبأنه أمر يجب إخفاؤه.
يمكننا القول مثلًا: "يحصل أنّ الأب والأم يحبّان بعضهما كثيرًا ويداعبان بعضهما ويعبران عن حبهما لبعضهما".
يجب إضفاء معاني الحب والحنان والمشاعر السامية على العلاقة الحميمة.
حدود العلاقة الحميمة أمام الأولاد
يشكل الأهل أول نموذج للثنائي أمام الولد من خلال الرموز الخارجية للعلاقة القائمة بينهما.
وعندما تكون علاقتهم وطيدة وحميمة، يكتشف الولد أنه ليس حب أمه الوحيد.
خلال الفترة الممتدة بين 3 و6 سنوات، يعيش الولد في اللاوعي مرحلة "عقدة أوديب"، حيث يتعلق الصبي بأمه وينافس والده عليها، وتتعلق الفتاة بوالدها وتنافس أمها عليه.
عندما يجد الصبي أنه ليس حب أمه الوحيد وعندما تكتشف الفتاة أنها غير قادرة على منافسة والدتها (وهذا يحصل عندما تكون العلاقة بين الأهل وطيدة ومتينة)، يشعر الولد بالإقصاء وبأنه مبعد، ما يحثه على القيام ببعض التصرّفات، مثلًا الدخول الفجائي إلى غرفة الأهل.
لكي يستطيع الأهل مساعدة ولدهم على تخطي هذه المرحلة بطريقة سليمة، عليهما أن يحافظا أمامه على العلاقة الوطيدة بينهما، ما يسمح للولد بالنضوج العاطفي، حيث يتماهى بمن هم من جنسه وعندها ينتقل الولد من العلاقة الثنائية إلى العلاقة الثلاثية، وينفتح على العالم الخارجي والاجتماعي مكتسبًا القوانين التي يُبنى عليها المجتمع لذلك على الولد أن يرى أهله كثنائي متكاتف، يتبادلان القبل ويداعبان بعضهما (ضمن حدود) ويعبّران عن الاحترام المتبادل، وهذا ما يعطيه صورة رمزية عن العلاقة الحميمة كطريقة لتوطيد العلاقات العاطفية، ويعطيه أيضًا الشعور بالحماية والأمان.
وتشدّد جعجع على ضرورة اختيار الوالدين الوقت المناسب للتلاقي في الغرفة، أما الوسيلة الفضلى لكي ينمو الطفل من دون عقد واضطرابات فهي أن يرى أهله سعيدين في علاقتهما.